الفريق الحركي يطالب بمهمتين استطلاعيتين لكشف اختلالات سوق السمك واللحوم الحمراء
وسط موجة غلاء تضرب الأسواق المغربية، تصاعدت المطالب البرلمانية بالتحقيق في أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، وعلى رأسها السمك واللحوم الحمراء، اللذين شهدا زيادات قياسية، حيث تقدم الفريق الحركي بمجلس النواب بطلب رسمي إلى رئيس لجنة القطاعات الإنتاجية لتنظيم مهمتين استطلاعيتين متزامنتين، بهدف تفكيك تركيبة الأسعار والوقوف على الاختلالات المرتبطة بتسويق هذه المنتجات.
ورغم أن المغرب يتمتع بثروة بحرية غنية تجعله من بين أكبر مصدري الأسماك في العالم، إلا أن هذه الوفرة لم تنعكس على الأسعار المحلية، حيث باتت الأسماك خارج متناول شريحة واسعة من المواطنين، حتى تلك التي كانت تصنف ضمن الأسماك الشعبية مثل السردين.
ووفقًا للوثيقة التقنية المرفقة بطلب الاستطلاع البرلماني والتي تتوفر عليها "الصحيفة"، فإن 70 في المائة من الإنتاج السمكي المغربي يتم تصديره إلى الخارج، بينما لا يتجاوز ما يُسوق في الأسواق المحلية 30 في المائة فقط، أغلبه من السمك الأزرق، وهذا التوزيع المختل جعل العرض في السوق المحلية غير كافٍ، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، رغم أن المغرب يملك إمكانيات بحرية ضخمة.
إضافة إلى ذلك، يشير طلب المهمة الاستطلاعية إلى وجود اختلالات متعددة في سلسلة تسويق الأسماك، من لحظة صيدها في البحر إلى وصولها إلى المستهلك، حيث تلعب المضاربات وغياب الرقابة دورًا رئيسيًا في رفع الأسعار دون مبررات موضوعية وفي ظل هذه المعطيات، تتساءل المهمة الاستطلاعية البرلمانية عن مدى توفر آليات لضبط الأسعار، ومن المستفيد الحقيقي من هذا الغلاء؟
كما يبرز تساؤل آخر لا يقل أهمية، حول انعكاس تصدير الجزء الأكبر من الثروة السمكية المغربية على ارتفاع الأسعار محليًا، إذ يشير خبراء إلى أن سياسة التصدير المكثف غالبًا ما تؤدي إلى شح المعروض في الأسواق الداخلية، ما يخلق خللًا بين العرض والطلب، يدفع المستهلك المغربي ثمنه في النهاية.
أما فيما يتعلق بسوق اللحوم الحمراء، فالتقلبات السعرية التي يعرفها هذا القطاع أثارت تساؤلات حول مدى فعالية الإجراءات الحكومية التي اتخذت لخفض الأسعار، والتي شملت فتح باب الاستيراد وإلغاء الرسوم الجمركية، دون أن تنجح في توفير اللحوم بأسعار معقولة.
المهمة الاستطلاعية التي طالب بها الفريق الحركي تضع تحت المجهر العراقيل التي تعيق تحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء، إضافة إلى تأثير تعدد الوسطاء في رفع الأسعار، حيث تتحكم شبكات الوساطة في مراحل التوزيع، مما يجعل المستهلك يتحمل أعباء إضافية غير مبررة.
كما ستسلط المهمة الضوء على الوضعية الحالية للقطيع الوطني، ومدى توفر رؤية استراتيجية تضمن استقرار الإنتاج المحلي وتقلل من التبعية للاستيراد، خاصة أن الحكومة لجأت إلى هذه الآلية دون أن تؤدي إلى انخفاض الأسعار، ما يطرح علامات استفهام حول الجهات المستفيدة من عمليات الاستيراد.
ويأتي هذا التحرك البرلماني في وقت يواجه فيه المغاربة ضغوطًا معيشية خانقة، مع تزايد شكاوى المواطنين من الارتفاع غير المسبوق لأسعار المواد الغذائية الأساسية، في ظل ركود القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة، فعلى الرغم من التدخلات الحكومية المتكررة، لا تزال الأسواق خاضعة لممارسات مضارباتية، ما يجعل المستهلك الحلقة الأضعف في معادلة الأسعار.
وبينما يُنتظر أن توفر المهام الاستطلاعية إجابات دقيقة حول مكامن الخلل في السوق، يظل الرهان الأكبر على إرادة سياسية حقيقية لتفعيل آليات رقابية صارمة تعيد التوازن إلى سوق الغذاء، وتضمن وصول المنتجات الأساسية إلى المواطن بأسعار عادلة تعكس قدرته الشرائية، بدل أن تبقى مجرد مادة للتصدير والمضاربة.